»قصصنا المحزنة
12/2/2015, 15:40
الكاتب: جمانة غنيمات.
في
جريدة الغد.
من دون أدنى تفكير، يقرر الوالدان المضي في رحلة نحو المجهول! فيقطعان الحدود، متوجهين إلى حيث يذهب المرء ولا يعود على الأغلب..!
القصة بدأت بشاب يدرس الطب في إحدى جامعات الدول المجاورة، قرر فيما بعد، فجأة، الانضمام إلى إحدى الجماعات الإرهابية، بوهم "الجهاد" وإعلاء كلمة الإسلام، ولو بالدم والقتل.
هكذا، لا يبقى للوالدين في سبيل استعادة فلذة كبدهما من يد الإرهابيين، إلا البدء برحلة عبر الحدود.. إلى آخر الدنيا؛ بعد أن تفاوضا مع مافيات وعصابات. ولاحقاً، جلسا بجوار الإرهابيين، وتحدثا إليهم لإنقاذ الفتى من موت محقق، أو أن يصبح قاتلا باسم الدين.
أخيرا، عاد الشاب، والأمل أن يعود الى الصراط المستقيم.
في حادثة أخرى، ومن دون تفكير أيضاً، رحل الشاب تاركاً جامعته حيث يدرس الطب، متوجهاً إلى قدره؛ إذ لم يعد أبدا! كل ما عرفه الوالدان المكلومان، كما تلقيا الخبر، أنه قُتل وهو يخوض معركة الإرهابيين.
وعلى فجيعته بفقد ابنه، يقرر الأب أن لا يقبل العزاء بالطبيب المفترض؛ فلم يفتح بيته لتقبل العزاء، في موقف غير معلن بعدم رضاه وغضبه مما فعل ابنه الشاب.
ثمة قصص أخرى كثيرة يمكن سردها عن أبناء لنا بعمر الورد، بل هم الورد ذاته، غادرونا إلى المجهول. ولتدور حولهم كثير من الأسئلة عما يدفعهم إلى هكذا رحلة نحو الظلام.
هي قصص محزنة، بقدر الغضب الذي تولده. وتظل أيضا، وأهم من أي شيء آخر، مثيرة لأشد درجات الحيرة والاستغراب، عن دوافع هؤلاء الشبان للانضمام إلى الإرهاب؛ فما الذي يغريهم، وهم المؤهلون لأن يكونوا خيرة المجتمع، لأن يصبحوا بدلاً من ذلك قتلة من دون ضمير؟
"المجاهدون!" كما يحلو لهم تسمية أنفسهم، بحاجة إلى دراسة معمقة للحالة النفسية والسيكولوجية التي تدفعهم إلى خوض هذه التجربة. فلماذا، من جانب آخر وفي السياق ذاته، يغادر الشباب المسلم أوروبا وأميركا لمثل هذه الغاية؟!
مؤكد أن التهميش والشعور بالغربة، وغياب الأفق، وفقدان الأمل والعدالة.. كلها تشكل بيئة طاردة للشباب، نحو البحث عن أفق ما، حتى لو كان سراباً كاذبا، يتمثل في الفكر المتطرف وحملته ومروجيه من الجماعات الإرهابية.
بالنتيجة، يغدو الأهم لحماية الشباب، البدء بخطط تقيهم خطر الانحراف، وتحدّ من إغراء الفكر المتطرف. والحلول هنا مركبة حتماًَ؛ اقتصادية واجتماعية وثقافية-فكرية وسياسية ودينية، يقع عبء اجتراحها والنهوض بها، بداهة، على كل الأطراف والفاعلين في الدولة والمجتمع.
في الأردن تحديداً، تؤكد الأرقام مغادرة آلاف الشباب في رحلة المجهول، إنما الضياع المؤكد؛ تاركين خلفهم آباء وأمهات، يحتضنون أوجاعهم بفقد فلذات كبدهم، لاسيما وهم يعلمون أن فرصة النجاة محدودة، هذا إن لم تكن معدومة!
بعد الشهيد معاذ، أغلب الظن أن الوجه البشع لـ"داعش" قد تكشّف للأغلبية العظمى، إن لم يكن للجميع؛ وبلغت العظة كثيرين ممن كانت الفكرة المشوهة لـ"الجهاد" تغريهم، وقد كانوا يظنون أنه بالجرائم الإرهابية يتم إعلاء الكلمة الحق.
بيد أن ذلك لا يمنع أن شبابنا سيبقون عرضة لمطامع "داعش" الإرهابي، يستخدمهم وقودا؛ يحرقون أنفسهم أولاً، ومعهم الكثير جداً من الأبرياء.
الأردن أعلن الحرب على التطرف والإرهاب، لكن الانتصار فيها ليس بالأمر الهين؛ فالشباب تُرك سنوات طويلة لقمة سائغة للفراغ الذي تملؤه العناكب، كما يقال، وليكنْ إنقاذ شبابنا عملا طويلا مضنيا. فهل نحن مستعدون للمعركة، ووقف مثل تلك القصص المحزنة؟
في
جريدة الغد.
من دون أدنى تفكير، يقرر الوالدان المضي في رحلة نحو المجهول! فيقطعان الحدود، متوجهين إلى حيث يذهب المرء ولا يعود على الأغلب..!
القصة بدأت بشاب يدرس الطب في إحدى جامعات الدول المجاورة، قرر فيما بعد، فجأة، الانضمام إلى إحدى الجماعات الإرهابية، بوهم "الجهاد" وإعلاء كلمة الإسلام، ولو بالدم والقتل.
هكذا، لا يبقى للوالدين في سبيل استعادة فلذة كبدهما من يد الإرهابيين، إلا البدء برحلة عبر الحدود.. إلى آخر الدنيا؛ بعد أن تفاوضا مع مافيات وعصابات. ولاحقاً، جلسا بجوار الإرهابيين، وتحدثا إليهم لإنقاذ الفتى من موت محقق، أو أن يصبح قاتلا باسم الدين.
أخيرا، عاد الشاب، والأمل أن يعود الى الصراط المستقيم.
في حادثة أخرى، ومن دون تفكير أيضاً، رحل الشاب تاركاً جامعته حيث يدرس الطب، متوجهاً إلى قدره؛ إذ لم يعد أبدا! كل ما عرفه الوالدان المكلومان، كما تلقيا الخبر، أنه قُتل وهو يخوض معركة الإرهابيين.
وعلى فجيعته بفقد ابنه، يقرر الأب أن لا يقبل العزاء بالطبيب المفترض؛ فلم يفتح بيته لتقبل العزاء، في موقف غير معلن بعدم رضاه وغضبه مما فعل ابنه الشاب.
ثمة قصص أخرى كثيرة يمكن سردها عن أبناء لنا بعمر الورد، بل هم الورد ذاته، غادرونا إلى المجهول. ولتدور حولهم كثير من الأسئلة عما يدفعهم إلى هكذا رحلة نحو الظلام.
هي قصص محزنة، بقدر الغضب الذي تولده. وتظل أيضا، وأهم من أي شيء آخر، مثيرة لأشد درجات الحيرة والاستغراب، عن دوافع هؤلاء الشبان للانضمام إلى الإرهاب؛ فما الذي يغريهم، وهم المؤهلون لأن يكونوا خيرة المجتمع، لأن يصبحوا بدلاً من ذلك قتلة من دون ضمير؟
"المجاهدون!" كما يحلو لهم تسمية أنفسهم، بحاجة إلى دراسة معمقة للحالة النفسية والسيكولوجية التي تدفعهم إلى خوض هذه التجربة. فلماذا، من جانب آخر وفي السياق ذاته، يغادر الشباب المسلم أوروبا وأميركا لمثل هذه الغاية؟!
مؤكد أن التهميش والشعور بالغربة، وغياب الأفق، وفقدان الأمل والعدالة.. كلها تشكل بيئة طاردة للشباب، نحو البحث عن أفق ما، حتى لو كان سراباً كاذبا، يتمثل في الفكر المتطرف وحملته ومروجيه من الجماعات الإرهابية.
بالنتيجة، يغدو الأهم لحماية الشباب، البدء بخطط تقيهم خطر الانحراف، وتحدّ من إغراء الفكر المتطرف. والحلول هنا مركبة حتماًَ؛ اقتصادية واجتماعية وثقافية-فكرية وسياسية ودينية، يقع عبء اجتراحها والنهوض بها، بداهة، على كل الأطراف والفاعلين في الدولة والمجتمع.
في الأردن تحديداً، تؤكد الأرقام مغادرة آلاف الشباب في رحلة المجهول، إنما الضياع المؤكد؛ تاركين خلفهم آباء وأمهات، يحتضنون أوجاعهم بفقد فلذات كبدهم، لاسيما وهم يعلمون أن فرصة النجاة محدودة، هذا إن لم تكن معدومة!
بعد الشهيد معاذ، أغلب الظن أن الوجه البشع لـ"داعش" قد تكشّف للأغلبية العظمى، إن لم يكن للجميع؛ وبلغت العظة كثيرين ممن كانت الفكرة المشوهة لـ"الجهاد" تغريهم، وقد كانوا يظنون أنه بالجرائم الإرهابية يتم إعلاء الكلمة الحق.
بيد أن ذلك لا يمنع أن شبابنا سيبقون عرضة لمطامع "داعش" الإرهابي، يستخدمهم وقودا؛ يحرقون أنفسهم أولاً، ومعهم الكثير جداً من الأبرياء.
الأردن أعلن الحرب على التطرف والإرهاب، لكن الانتصار فيها ليس بالأمر الهين؛ فالشباب تُرك سنوات طويلة لقمة سائغة للفراغ الذي تملؤه العناكب، كما يقال، وليكنْ إنقاذ شبابنا عملا طويلا مضنيا. فهل نحن مستعدون للمعركة، ووقف مثل تلك القصص المحزنة؟
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى