الكفيف الطموح

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الكفيف الطموح
الكفيف الطموح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
avatar
محمد الحمود
مدير المنتدى
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 1471
تاريخ الميلاد : 08/02/1994
تاريخ التسجيل : 10/01/2014
العمر : 30
الدولة : الأردن-Jordan
https://kafif.alafdal.net

»خير.. وحب.. وثلج! Empty »خير.. وحب.. وثلج!

10/1/2015, 14:09
تغير مزاج الثلج. كان هطوله في السابق يشكل حالة بالتأكيد، لكنه أصبح الآن حالة مختلفة. ذهب إلى التعقد وكثرة الحسابات فيما يبدو، مثله مثل بقية الأشياء. كان في السابق يهطل فقط، بلا كثير مقدمات ولا ضجيج. لا أتذكر أن الناس كانوا يُفرغون الدكاكين والأفران، ويتهافتون على الأشياء مثل الذاهبين إلى بيات شتوي طويل. ربما كانت من أجمل أشياء الثلج القديم مفاجأته: أن ينام المرء خالي البال، ويستيقظ فيجد العالم ملفعاً بالبياض. كُنا نبتهج بالمشهد ولا نعرف عن مشاكل، نسعد بعطلة المدرسة، ونلعب بكرات الثلج، ثم تعود الأشياء إلى طبعها بانسيابية وبطريقة لا يكاد يلحظها أحد.
المفروض أن كل الإمكانات المحلية كانت أبسط بكثير قبل ثلاثة عقود مثلاً، لكن التعامل مع أحوال الطقس كان أسهل -أو هكذا يبدو. ربما للأمر علاقة بنوايا الناس الذين كانوا يستقبلون معظم الأشياء بلا فلسفات، فتمر بهم الأشياء من دون أن تعقَّدهم بالكثير من الفلسفات أيضاً. أم أن للمسألة علاقة بالإعلام والضجيج في عصر "التواصل"؟!
الآن، لم تعد التنبؤات تُقتصر على قراءة امرأة ذكية فنجان القهوة الصباحي. أصبحوا يستنفرون حذرك قبل فترة طويلة لتتهيأ لعواصف لها أسماء، وتجد وسائل الإعلام موضوعاً للاشتغال غير "داعش" وارتفاع الأسعار، وتعلن الحكومة خطط الطوارئ وتستنفر الطواقم -مثل المقبل على حرب وطنية مع الأنواء (يذكِّر الخاطر بحرب الدون كيخوته مع طواحين الهواء). ثم تتفاجأ عندما يهطل الثلج بأن الاستعداد لم ينفع. مثلاً: تنقطع الكهرباء، ولا تعود التدفئة تعمل ولو أنك ملأت الخزان بالوقود؛ ويتعطل المكيّف الذي تعتمد عليه، أو تفرغ جرار الغاز تباعاً من دون سابق إنذار وكأنها اتفقت عليك، ولا تجد بديلاً عند الموزع المحلي، أو أنه يستغلك فيبيعك بسعر مرتفع؛ أو تحتاج شيئاً من البقالة القريبة، فيقول لك البائع الذي فتح محله لأن بيته قريب، أن سيارات التوزيع لم تحضر بسبب حالة الطرق... وهكذا.
تفكر: ربما لو لم يوضع الناس في أجواء حربية، ويتعرضوا للاستنفار الإعلامي المخيف، لما تخاطفوا الأشياء من المحلات وجرّدوا الأسواق مثل الجراد، وقد تظل الأشياء متوفرة في المحلات القريبة التي يمكن الوصول إليها مشياً على الأقدام. أم أن الاحتياط واجب؟ في الحقيقة هذا السؤال محير. العقلانيون الميالون إلى الطبيعية وتهدئة الروع، يقولون -على مستوى التنظير، ويفعلون ما يفعل الآخرون- إن الناس يصنعون الأزمة لأنفسهم عندما يتهافتون على البضائع. لكن أحداً لا يرغب أيضاً في أن "ينقطع" من الخبز -والمكسرات- والوقود في العاصفة. ومن التجارب السابقة، لم يعثر البلد بعد على أدوات إبقاء نفسه عاملاً في العواصف الجوية. كما أن ردود الفعل الجمعية على مختلف التطورات أصبحت تميل إلى الهلع، بسبب توقع رداءة الاستجابة.
بالنسبة لـ"جماليات" الثلج أيضاً، هناك مشكلة. تحدث أصدقاء ممن وُلد أبناؤهم وكبروا في الخليج، مرة عن احتمال إرسال أبنائهم إلى البلد في العطلة النصفية، لمشاهدة الثلج شخصياً -إذا أمكن. لذلك، يجد المرء قسوة في نصيحة سكان المناطق التي لا يزورها الثلج بعدم القدوم للسياحة ورؤية الثلج، مغامرين بأن يعلقوا هم وأولادهم في مناطق بلا بنية سياحية "ثلجية". لكن هناك -حقيقةً- أشخاص يذهبون بسياراتهم، في عز العاصفة، من الجبيهة إلى شارع الجاردنز القريب "لمشاهدة الثلج"، أو من جبل الأشرفية إلى جبل الحسين، والثلج مكوم في أفنيتهم. هل "تغيير المشهد" ضروري إلى هذه الحدود، ويستحق أن يتزحلق الواحد هو وأبناؤه وسيارته مغامراً باحتمال انتكاس مريع للمزاج؟!
أياً يكن، لم يتكيف السلوك الاجتماعي والاستعداد الرسمي عندنا مع التغير الذي يقال إنه جوهري في المناخ. ولا يجب أن يستمر ذلك إذا كان هذا هو الواقع العلمي. وإذا كان لا بدّ من تكرار زيارات الثلج الكثيف كل سنة، فسيفضل الجميع أن ترجح الخبرة الجمالية-العاطفية على خبرة المعاناة المادية، ربما بتأسيس "ثقافة ثلج" شعبية ورسمية، وبأدوات عملية.
الأمنيات القلبية، مع ذلك، هي السلامة والسلام للجميع. وأن يكون هذا الثلج وفاقاً للترنيمة الفيروزية: "تلج، تلج/ شَتّي خَير وحُبّ وتلج/ على كل قلب/ على كل مَرج/ إلفِه وخَير وحُب... متل التلج".



علاء الدين أبو زينة. جريدة الغد.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى