»عزلة برغم كل هذا التواصل
10/1/2015, 14:03
يؤشر الإعلام التفاعلي، الذي بدأ انتشاره في الفضائيات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، على مستوى وحالة الحوار العربي القائم اليوم. فالتعليقات والاتصالات والمناقشات والسجالات التي تدور، توضح مدى صعوبات التعلم والاستماع الكاسحة، والتي تشل الحالة السياسية والثقافية والإعلامية، وتعطل العمل والتعليم أيضاً.
الذين يشتغلون في التماس آراء الناس ومواقفهم من القضايا والشؤون المختلفة، يواجهون حقيقة مرض مزمن في مجتمعاتنا، لا يُستثنى منه المسؤولون والموظفون والكُتّاب والمفكرون، وحتى رجل الشارع العادي. فالذي يتابع الحوارات والمساجلات الصحفية والإعلامية التي تدور بين الأشخاص والأطراف المختلفة، يلاحظ أن أحداً لا يستمع إلى الآخر.
الحوار بما هو استماع فيزيائي حقيقي للآخر واستيعاب لفكرته، ليس قضية ترفيه، ولا احتفالاً إعلامياً شبيها بالترويج السياحي، أو تسويق نوع من الشامبو، كما يكاد يستنتج من يتابع المؤتمرات والأنشطة الفكرية والإعلامية التي تجري على امتداد بلادنا العربية؛ ولكنه مدخل منهجي ضروري لا يمكن تجاوزه، لأجل التعلم والتقدم والتنمية والنهضة، واستيعاب حضارة الآخر وثقافته وتقنياته ومنتجاته، وتشغيل سلعه وأجهزته. فلا يتحقق هذا الحوار باحتفالات العلاقات العامة، ولا تفيد للأسف الشديد الكاميرات والأضواء في النفاذ إلى جوهر الحوار وأهدافه، ولا يمكن تعلمه وترسيخه بمثل هذه الأنشطة المسماة إعلاماً وندوات ومؤتمرات، ولكنها تكاد تكون هذه الأخيرة شئيا من الكرنفالات والمهرجانات.
فالحوار قضية كبرى وجوهرية، يجب أن نبحث عنها في الحكم والسياسة والإدارة، والتعليم والسلوك والثقافة، والصناعة والتجارة والتقنية، واللغة والموسيقى، والتأمل والصمت، والعبادة والفقه؛ فهو فلسفة تصوغ الحياة والعمل والفكر، وتؤسس للمجتمعات والدول والمنظمات.
غياب الحوار ظاهرة مفزعة في حياة العرب والمسلمين، لا تحتاج إلى دليل وتشخيص. فقد تحولت من كارثة ثقافية وسياسية، إلى حالة فيزيائية تعطلت فيها أدوات السمع واللغة.
في إحدى روائعه، يروي لنا تشيخوف عن ذلك الحوذي المسكين الذي يتوفى ابنه، ويحاول طوال النهار والليل أن يجد شخصاً يحدثه عن ابنه المتوفى. لكنه في كل محاولة، بعد أن ينهي جملته الافتتاحية للشخص الذي يقابله "توفي اليوم ابني"، يستمع إلى الآخر يرد عليه في شأنه هو، والذي لا يتعدى علف الدواب، أو المكان الذي يريد أن يصل إليه، أو حذاءه الذي يقاوم البرد الشديد.
أخيراً، يذهب الحوذي إلى فرسه بعد أن ينهي يوماً طويلاً من العمل الشاق الممل، فيقدم لها الشوفان، ثم يتحدث إليها: لقد توفي اليوم ابني، افرضي أن لك ابناً تحبينه، وأن هذا الابن توفي...
علاء الدين أبو زينة. الغد.
الذين يشتغلون في التماس آراء الناس ومواقفهم من القضايا والشؤون المختلفة، يواجهون حقيقة مرض مزمن في مجتمعاتنا، لا يُستثنى منه المسؤولون والموظفون والكُتّاب والمفكرون، وحتى رجل الشارع العادي. فالذي يتابع الحوارات والمساجلات الصحفية والإعلامية التي تدور بين الأشخاص والأطراف المختلفة، يلاحظ أن أحداً لا يستمع إلى الآخر.
الحوار بما هو استماع فيزيائي حقيقي للآخر واستيعاب لفكرته، ليس قضية ترفيه، ولا احتفالاً إعلامياً شبيها بالترويج السياحي، أو تسويق نوع من الشامبو، كما يكاد يستنتج من يتابع المؤتمرات والأنشطة الفكرية والإعلامية التي تجري على امتداد بلادنا العربية؛ ولكنه مدخل منهجي ضروري لا يمكن تجاوزه، لأجل التعلم والتقدم والتنمية والنهضة، واستيعاب حضارة الآخر وثقافته وتقنياته ومنتجاته، وتشغيل سلعه وأجهزته. فلا يتحقق هذا الحوار باحتفالات العلاقات العامة، ولا تفيد للأسف الشديد الكاميرات والأضواء في النفاذ إلى جوهر الحوار وأهدافه، ولا يمكن تعلمه وترسيخه بمثل هذه الأنشطة المسماة إعلاماً وندوات ومؤتمرات، ولكنها تكاد تكون هذه الأخيرة شئيا من الكرنفالات والمهرجانات.
فالحوار قضية كبرى وجوهرية، يجب أن نبحث عنها في الحكم والسياسة والإدارة، والتعليم والسلوك والثقافة، والصناعة والتجارة والتقنية، واللغة والموسيقى، والتأمل والصمت، والعبادة والفقه؛ فهو فلسفة تصوغ الحياة والعمل والفكر، وتؤسس للمجتمعات والدول والمنظمات.
غياب الحوار ظاهرة مفزعة في حياة العرب والمسلمين، لا تحتاج إلى دليل وتشخيص. فقد تحولت من كارثة ثقافية وسياسية، إلى حالة فيزيائية تعطلت فيها أدوات السمع واللغة.
في إحدى روائعه، يروي لنا تشيخوف عن ذلك الحوذي المسكين الذي يتوفى ابنه، ويحاول طوال النهار والليل أن يجد شخصاً يحدثه عن ابنه المتوفى. لكنه في كل محاولة، بعد أن ينهي جملته الافتتاحية للشخص الذي يقابله "توفي اليوم ابني"، يستمع إلى الآخر يرد عليه في شأنه هو، والذي لا يتعدى علف الدواب، أو المكان الذي يريد أن يصل إليه، أو حذاءه الذي يقاوم البرد الشديد.
أخيراً، يذهب الحوذي إلى فرسه بعد أن ينهي يوماً طويلاً من العمل الشاق الممل، فيقدم لها الشوفان، ثم يتحدث إليها: لقد توفي اليوم ابني، افرضي أن لك ابناً تحبينه، وأن هذا الابن توفي...
علاء الدين أبو زينة. الغد.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى