»شركاء في العاصفة
10/1/2015, 14:00
السنوات الأخيرة من عمر شعوب بلاد الشام مريرة وعاصفة. السوريون نسوا، أو كادوا أن ينسوا أنهم سوريون. الحرب بين النظام والمعارضة مزقت أواصرهم، فانشطروا إلى شعبين؛ لاجئون في الخارج، وموطنون في الداخل. والداخل هذا ليس سورية التي عرفناها، إنما كيانات متناثرة، ومعها تتشكل هويات متناحرة. منهم من يرزح تحت حكم "داعش"، وآخرون في ظل النظام، وملايين تتناوب على حكمهم جماعات مسلحة وعصابات مرتزقة يقاتلون مع هذا الطرف أوذاك.
لبنان الحديث تأسس على المحاصصة الطائفية. لكن هذه الصيغة، على مساوئها، مهددة بالسقوط اليوم. وفوقها خطر "داعش" الذي يطمع بقضم بعض من أطراف البلد الصغير، ليضيفها إلى كيانه الممتد من الموصل إلى عرسال.
الفلسطينيون في الوطن المحتل لا يكتفون بمعاناة الاحتلال، بل يضيفون عليها انقساما موجعا؛ سياسيا وجغرافيا، تقدم على إثره الولاء الفصائلي على الولاء الوطني. الهوية الفلسطينية التي لم تفلح محاولات الصهيونية لمحوها، تواجه اليوم خطر الذوبان على يد أهلها.
الأردنيون في حال أفضل من أشقائهم. لكن حروب بلاد الشام، والقلق على المصير، يدفعان بهم إلى الانكفاء على نحو مرضي. وفائض الصراعات في بلدان الجوار يهدد سفينتهم بالغرق. صار الأردني يتصرف بطابع غرائزي، محركه القلق على الذات، والخوف من المستقبل. سلوك الناس قبيل العاصفة الثلجية يعكس، في جانب منه، حالة الخوف والقلق هذه؛ إنهم ببساطة يخشون من القادم، حتى لو كان منخفضا جويا شديد البرودة.
لكن العاصفة الثلجية لم تضرب الأردن وحده أو سورية، بل عموم بلاد الشام. لأول مرة منذ سنوات، يأتي عارض مناخي فيذكر أبناء المنطقة الواحدة أنهم ينتمون إلى نفس المكان، بدفئه وبرده. ما يصيب اللاجئ السوري في الزعتري، يصيب شقيقه في دمشق، وابن عمه في "دولة الخلافة".
اللبناني والسوري والأردني والفلسطيني، جميعهم شركاء في العاصفة الثلجية؛ الفتحاوي والحمساوي في فلسطين، السُنّي والشيعي في لبنان، العلوي والسُنّي في سورية، الأردنيين شرقيين وغربيين.
لم نزل أقطارا وكيانات سياسية ولدت من رحم صفقة دولية، طالت منطقتنا مثلما طالت مناطق أخرى في العالم. لكننا نبقى أبناء بلاد الشام؛ تُفرقنا السياسات وحروب الطوائف وصراع السلطة، وتتحكم ببعضنا دكتاتوريات بغيضة، لكن دكتاتورية الجغرافيا؛ الأرض والمناخ، أقوى، تشدنا إلى ذات المصير.
ننسى تلك البدهيات؛ من الطبيعي أن ننسى كسائر شعوب الأرض التي جمعتها إمبراطوريات، ثم مزقتها القطريات، واستقرت كيانات حديثة.
غير أن عاصفة كهذه التي تضرب بلاد الشام اليوم، تصيبنا في الأعماق، وتضعنا في مركب واحد مع السوري المحاصر بلا كهرباء وغاز، والفلسطيني المجروح في مخيمات اللجوء، واللبناني الذي حطمت أمواج "المتوسط" مركبه.
العاصفة قوية بجد، لكننا كنا جميعا بحاجة إليها؛ هي على الأقل تفرض على المتقاتلين في سورية تهدئة إجبارية، وتطفىء نار الفتنة في لبنان، وتشعل مواقد الأردنيين.
برد العاصفة الشتوية قارس. لكنها أرحم من عواصف "الربيع العربي" التي اجتاحت بلاد الشام، وحولتها إلى بحر دماء.
فهد الخيطان. الغد.
لبنان الحديث تأسس على المحاصصة الطائفية. لكن هذه الصيغة، على مساوئها، مهددة بالسقوط اليوم. وفوقها خطر "داعش" الذي يطمع بقضم بعض من أطراف البلد الصغير، ليضيفها إلى كيانه الممتد من الموصل إلى عرسال.
الفلسطينيون في الوطن المحتل لا يكتفون بمعاناة الاحتلال، بل يضيفون عليها انقساما موجعا؛ سياسيا وجغرافيا، تقدم على إثره الولاء الفصائلي على الولاء الوطني. الهوية الفلسطينية التي لم تفلح محاولات الصهيونية لمحوها، تواجه اليوم خطر الذوبان على يد أهلها.
الأردنيون في حال أفضل من أشقائهم. لكن حروب بلاد الشام، والقلق على المصير، يدفعان بهم إلى الانكفاء على نحو مرضي. وفائض الصراعات في بلدان الجوار يهدد سفينتهم بالغرق. صار الأردني يتصرف بطابع غرائزي، محركه القلق على الذات، والخوف من المستقبل. سلوك الناس قبيل العاصفة الثلجية يعكس، في جانب منه، حالة الخوف والقلق هذه؛ إنهم ببساطة يخشون من القادم، حتى لو كان منخفضا جويا شديد البرودة.
لكن العاصفة الثلجية لم تضرب الأردن وحده أو سورية، بل عموم بلاد الشام. لأول مرة منذ سنوات، يأتي عارض مناخي فيذكر أبناء المنطقة الواحدة أنهم ينتمون إلى نفس المكان، بدفئه وبرده. ما يصيب اللاجئ السوري في الزعتري، يصيب شقيقه في دمشق، وابن عمه في "دولة الخلافة".
اللبناني والسوري والأردني والفلسطيني، جميعهم شركاء في العاصفة الثلجية؛ الفتحاوي والحمساوي في فلسطين، السُنّي والشيعي في لبنان، العلوي والسُنّي في سورية، الأردنيين شرقيين وغربيين.
لم نزل أقطارا وكيانات سياسية ولدت من رحم صفقة دولية، طالت منطقتنا مثلما طالت مناطق أخرى في العالم. لكننا نبقى أبناء بلاد الشام؛ تُفرقنا السياسات وحروب الطوائف وصراع السلطة، وتتحكم ببعضنا دكتاتوريات بغيضة، لكن دكتاتورية الجغرافيا؛ الأرض والمناخ، أقوى، تشدنا إلى ذات المصير.
ننسى تلك البدهيات؛ من الطبيعي أن ننسى كسائر شعوب الأرض التي جمعتها إمبراطوريات، ثم مزقتها القطريات، واستقرت كيانات حديثة.
غير أن عاصفة كهذه التي تضرب بلاد الشام اليوم، تصيبنا في الأعماق، وتضعنا في مركب واحد مع السوري المحاصر بلا كهرباء وغاز، والفلسطيني المجروح في مخيمات اللجوء، واللبناني الذي حطمت أمواج "المتوسط" مركبه.
العاصفة قوية بجد، لكننا كنا جميعا بحاجة إليها؛ هي على الأقل تفرض على المتقاتلين في سورية تهدئة إجبارية، وتطفىء نار الفتنة في لبنان، وتشعل مواقد الأردنيين.
برد العاصفة الشتوية قارس. لكنها أرحم من عواصف "الربيع العربي" التي اجتاحت بلاد الشام، وحولتها إلى بحر دماء.
فهد الخيطان. الغد.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى