من شأن المؤمن استشعار معية الله والطمأنينة إليه
10/9/2014, 01:43
من شأن المؤمن استشعار معية الله والطمأنينة إليه
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإن إحساس المؤمن بحفظ الله له، ويقينه أنَّ الله معه؛ يَسمعه إذا شكا، ويُجيبه إذا دعا، ويأخذ بيده إذا كبا، ويمدُّه إذا ضعُف، ويعينه إذا احتاج، ويلطف به إذا خاف، كلُّ ذلك من أسباب ارتياح النفس وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب وتيسير الأمر، وطيب العاقبة في العاجل والآجل؛ فإنَّ ثقة العبد بربِّه ويقينه بأنه - سبحانه - المتولي لأموره، وأنه - تعالى - سائقُ كلِّ خير، وكاشفُ كل ضر - لا تتركه نهبًا للوساوس والأوهام، ولا تلقيه في بيداء اليأس من روح الله، أو ظلمة القنوط من رحمة الله؛ بل تجعله يضرع إلى الله - تعالى - عند كلِّ نازلة، ويستجير به عند كل مصيبة، ويشكره ويذكُره، ويحمده عند كلِّ نعمة ورحمة، فيتَّجه إلى الله في سائر أحواله، داعيًا متضرعًا موقنًا بالإِجابة، منتظرًا للفرج من الله، لا يتَّجه إلى غيره، ولا يُنزل حاجتَه بسواه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: ٦٢]، فيتذكَّر ربَّه في كلِّ أحواله ذاكرًا وشاكرًا على السرَّاء، وصابرًا ضارعًا منتظرًا للفرج عند الضرَّاء، ويسأل الله أن يجود عليه بحفظ النعماء، والعافية من البلاء، واللطف في القضاء.
فاتقوا الله - عبادَ الله - وثقوا بمعية الله للمؤمنين؛ فإنَّها لكلِّ مَن اتقى الله في سرِّه وعلنه، وأحسن ابتغاء وجه الله في قوله وعمله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: ١٢٨]، وهي المعيَّة الخاصة التي مقتضاها العون والتسديد، والحفظ والتأييد، واللطف بالعبيد، ومَن كان الله معه فقد آوى إلى ركنٍ شديد.
أيها المسلمون:
ليس للمصائب حدٌّ تقف عنده، ولا للبلايا نهاية في هذه الحياة، ولا للفجائع التي تحدُث في الزمن لونٌ خاص؛ فكلُّ مصيبة أو بليَّة أو محنة يجب اتقاء أسبابها قدر المستطاع، فإذا وقعتْ تعيّن الصبر عليها، وانتظار حُسن عاقبتها، والخلف منها، واحتِساب أجرها عند مُقدِّرها ومُجرِيها - تبارك وتعالى -: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: ١١].
وكم في الصبر على المكاره من جميل العواقب، وكريم العوائد، التي أعظمُها تجريد التوحيد بالإخلاص لله وحده، وصرْف القلوب عن التعلُّق بالعبد، ومنها زيادة الهدى والإيمان، وعظم الأجر في الميزان، وتكفير الخطايا، ورفعة الدرجات، ومضاعفة الحسنات: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: ١٥٥-١٥٧]، ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: ١٠].
فالصبر ذخر وضياء، وخير ما تحلَّى به العبدُ عند البلاء، وحال البأساء والضراء، كيف لا وقد وعَدَه الله بنصره وتأييده وبشره؟ ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا))، ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وما أعطي أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، ومن يتصبَّر يصبِّره الله)).
أيها المسلمون:
ومن عُدَّة المؤمن في سيْره إلى ربه التوكلُ على الله؛ الذي حقيقته الاعتماد على الله في حصول ما ينفع العبدَ في دينه ودنياه، ودفع ما يضره، مع تفويض الأمر إليه تعالى، وانجِذاب القلب إليه محبَّة له، وثقة به، واعتمادًا عليه، وتكميل ذلك بمباشرة ما شرعه الله - تعالى - من أسباب توصِّل إلى المقاصد، وتُحمد بها العوائد، فإنَّ التوكل للمؤمن من خير الخصال، وجليل الأعمال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: ٢].
وجزاؤهم من الله الكفاية، فمَن توكَّل على الله كفاه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: ٣]؛ أي: كافيه: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: ٣٦].
ومَن توكل على الله ووثق بكفايته حقيقةً، فلن يتمكَّن منه عدوٌّ، ولن يخيب له مطلوبٌ، ولن يفوته مرغوب: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: ١٣٧].
أمَّا التوكُّل المزعوم الذي هو مجرَّد دعوى باللسان، مع فقْد الثقةِ بالله من القلب وتعطيلِ طاعته من اللسان والأركان، وترْك مباشرة الأسباب التي جعلها أسبابًا يُنال بها المحبوب، ويُتَّقى بها المرهوب، أو الاعتماد على الأسباب والإِعراض عن مسبِّبها - تبارك وتعالى - فهذا توكل ادِّعائي لا يفيد أهلَه شيئًا؛ بل يكون من أسباب شقائهم في العاجل والآجل.
ومن مظاهِرِه أنَّك ترى أهله يتصرَّفون عند وجود ما يقتضيه تصرُّفَ فاقدي الإِيمان، ومَن لا يؤمن بكفاية الرحمن، ويظنون بالله ظنَّ السَّوء، فمثلاً عندما تحدث حوادثُ مثيرةٌ للقلق، وتنشب حرب في جهة، ينسَوْن لُطف الله ورحمتَه بعباده، يذهب أحدُهم إلى الأسواق ليشتري من السلع فوق حاجته ولو بأثمان مضاعفة، ليدخرها لليوم المشؤوم أو الأسود في زعمه؛ فيتسبب ذلك التصرف في ارتفاع أثمان الأرزاق، واضطراب الأسواق، وإغراء ضعفاء النفوس في احتكار الأرزاق، وإرجاف البسطاء من النساء والسفهاء، ويذهب ضحيَّة ذلك الفقيرُ والمسكين والأرملة، والأجير الذي لا يجد غير أجره اليومي، وتلك نظرةٌ مادية تقدح في التوكل، فتؤثِّر فيه أو تضعفه وليستْ من الأسباب المشروعة، ولا من باب: ((اعقلها وتوكَّل))، ولكنها من باب الاعتماد على الأسباب، والإِعراض عن ربِّ الأرباب ومسبِّب الأسباب.
فاتَّقوا الله - عباد الله - واصدُقوا في التوكُّل على الله، وخُذوا بالأسباب المشروعة، وهو اللطيف بعباده، بيده الخير، وله ملكوت كلِّ شيء، وهو القادر على كل شيء، والظاهر على كل شيء: ﴿ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: ٨٢]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: ٢-٣].
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإن إحساس المؤمن بحفظ الله له، ويقينه أنَّ الله معه؛ يَسمعه إذا شكا، ويُجيبه إذا دعا، ويأخذ بيده إذا كبا، ويمدُّه إذا ضعُف، ويعينه إذا احتاج، ويلطف به إذا خاف، كلُّ ذلك من أسباب ارتياح النفس وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب وتيسير الأمر، وطيب العاقبة في العاجل والآجل؛ فإنَّ ثقة العبد بربِّه ويقينه بأنه - سبحانه - المتولي لأموره، وأنه - تعالى - سائقُ كلِّ خير، وكاشفُ كل ضر - لا تتركه نهبًا للوساوس والأوهام، ولا تلقيه في بيداء اليأس من روح الله، أو ظلمة القنوط من رحمة الله؛ بل تجعله يضرع إلى الله - تعالى - عند كلِّ نازلة، ويستجير به عند كل مصيبة، ويشكره ويذكُره، ويحمده عند كلِّ نعمة ورحمة، فيتَّجه إلى الله في سائر أحواله، داعيًا متضرعًا موقنًا بالإِجابة، منتظرًا للفرج من الله، لا يتَّجه إلى غيره، ولا يُنزل حاجتَه بسواه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: ٦٢]، فيتذكَّر ربَّه في كلِّ أحواله ذاكرًا وشاكرًا على السرَّاء، وصابرًا ضارعًا منتظرًا للفرج عند الضرَّاء، ويسأل الله أن يجود عليه بحفظ النعماء، والعافية من البلاء، واللطف في القضاء.
فاتقوا الله - عبادَ الله - وثقوا بمعية الله للمؤمنين؛ فإنَّها لكلِّ مَن اتقى الله في سرِّه وعلنه، وأحسن ابتغاء وجه الله في قوله وعمله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: ١٢٨]، وهي المعيَّة الخاصة التي مقتضاها العون والتسديد، والحفظ والتأييد، واللطف بالعبيد، ومَن كان الله معه فقد آوى إلى ركنٍ شديد.
أيها المسلمون:
ليس للمصائب حدٌّ تقف عنده، ولا للبلايا نهاية في هذه الحياة، ولا للفجائع التي تحدُث في الزمن لونٌ خاص؛ فكلُّ مصيبة أو بليَّة أو محنة يجب اتقاء أسبابها قدر المستطاع، فإذا وقعتْ تعيّن الصبر عليها، وانتظار حُسن عاقبتها، والخلف منها، واحتِساب أجرها عند مُقدِّرها ومُجرِيها - تبارك وتعالى -: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: ١١].
وكم في الصبر على المكاره من جميل العواقب، وكريم العوائد، التي أعظمُها تجريد التوحيد بالإخلاص لله وحده، وصرْف القلوب عن التعلُّق بالعبد، ومنها زيادة الهدى والإيمان، وعظم الأجر في الميزان، وتكفير الخطايا، ورفعة الدرجات، ومضاعفة الحسنات: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: ١٥٥-١٥٧]، ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: ١٠].
فالصبر ذخر وضياء، وخير ما تحلَّى به العبدُ عند البلاء، وحال البأساء والضراء، كيف لا وقد وعَدَه الله بنصره وتأييده وبشره؟ ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا))، ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وما أعطي أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، ومن يتصبَّر يصبِّره الله)).
أيها المسلمون:
ومن عُدَّة المؤمن في سيْره إلى ربه التوكلُ على الله؛ الذي حقيقته الاعتماد على الله في حصول ما ينفع العبدَ في دينه ودنياه، ودفع ما يضره، مع تفويض الأمر إليه تعالى، وانجِذاب القلب إليه محبَّة له، وثقة به، واعتمادًا عليه، وتكميل ذلك بمباشرة ما شرعه الله - تعالى - من أسباب توصِّل إلى المقاصد، وتُحمد بها العوائد، فإنَّ التوكل للمؤمن من خير الخصال، وجليل الأعمال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: ٢].
وجزاؤهم من الله الكفاية، فمَن توكَّل على الله كفاه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: ٣]؛ أي: كافيه: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: ٣٦].
ومَن توكل على الله ووثق بكفايته حقيقةً، فلن يتمكَّن منه عدوٌّ، ولن يخيب له مطلوبٌ، ولن يفوته مرغوب: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: ١٣٧].
أمَّا التوكُّل المزعوم الذي هو مجرَّد دعوى باللسان، مع فقْد الثقةِ بالله من القلب وتعطيلِ طاعته من اللسان والأركان، وترْك مباشرة الأسباب التي جعلها أسبابًا يُنال بها المحبوب، ويُتَّقى بها المرهوب، أو الاعتماد على الأسباب والإِعراض عن مسبِّبها - تبارك وتعالى - فهذا توكل ادِّعائي لا يفيد أهلَه شيئًا؛ بل يكون من أسباب شقائهم في العاجل والآجل.
ومن مظاهِرِه أنَّك ترى أهله يتصرَّفون عند وجود ما يقتضيه تصرُّفَ فاقدي الإِيمان، ومَن لا يؤمن بكفاية الرحمن، ويظنون بالله ظنَّ السَّوء، فمثلاً عندما تحدث حوادثُ مثيرةٌ للقلق، وتنشب حرب في جهة، ينسَوْن لُطف الله ورحمتَه بعباده، يذهب أحدُهم إلى الأسواق ليشتري من السلع فوق حاجته ولو بأثمان مضاعفة، ليدخرها لليوم المشؤوم أو الأسود في زعمه؛ فيتسبب ذلك التصرف في ارتفاع أثمان الأرزاق، واضطراب الأسواق، وإغراء ضعفاء النفوس في احتكار الأرزاق، وإرجاف البسطاء من النساء والسفهاء، ويذهب ضحيَّة ذلك الفقيرُ والمسكين والأرملة، والأجير الذي لا يجد غير أجره اليومي، وتلك نظرةٌ مادية تقدح في التوكل، فتؤثِّر فيه أو تضعفه وليستْ من الأسباب المشروعة، ولا من باب: ((اعقلها وتوكَّل))، ولكنها من باب الاعتماد على الأسباب، والإِعراض عن ربِّ الأرباب ومسبِّب الأسباب.
فاتَّقوا الله - عباد الله - واصدُقوا في التوكُّل على الله، وخُذوا بالأسباب المشروعة، وهو اللطيف بعباده، بيده الخير، وله ملكوت كلِّ شيء، وهو القادر على كل شيء، والظاهر على كل شيء: ﴿ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: ٨٢]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: ٢-٣].
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى